الإخوان والعمل السياسي
يري بعض المتحاملين على الإخوان المسلمين أنهم جماعة سياسية لأنهم يخلطون الدين
بالسياسة ، ويشتغلون بها وهذا خطأ بيِن ، لأن المتحدث بمثل هذا لا يعرف السياسة ، ولا
يفقه الإسلام بشموله ، ولا يعرف العلاقة بينهما ، والحقيقة أن هذا الجهل بالإسلام قد
استشري في الأمة زمن الضعف حتى أنك تجد أن الشيخ البنا-رحمه الله - يعبر عن هذه
الفترة المحزنه أصدق تعبير فيقول :
"قلما تجد إنسانا يتحدث إليك عن الإسلام والسياسة إلا وجدته يفصل بينهما ،
ويضع كل واحد من المعنيين في جانب ، فهما عند الناس لا يلتقيان
ولا يجتمعان ، ومن هنا سميت هذه جمعية إسلامية لا سياسية ، وذلك اجتماع ديني لا سياسة
فيه ، ورأيت في صدر قوانين الجمعيات الإسلامية ومنهجها "لا تتعرض الجمعية للشؤون
السياسية" .
ويحسن بنا لبيان هذا الجهل أن نعرف السياسة سواء عند الغربيين أو الإسلاميين حتى
نعرف إن كان الإسلام يهتم بالسياسة أم لا ، أو هو السياسة . نفسها وليس شيئا آخر ، ونبدأ
بتعريف الغربيين للسياسة من عهد أرسطو إلى اليوم .
فالسياسة عند فلاسفة اليونان -أرسطو خاصة -
هي كل ما من شأنه أن يحقق الحياة الخيرة في المجتمع ، فهي تستوعب كافة الشؤون السائدة
في المجتمع
وهذا التحديد يعتبر السياسة فرعا عن الأخلاق ، ولعل المعني اللغوي عند العرب لهذا
المصطلح يتشابه مع التحديد الأوسطي له من حيث الاتصال بالأخلاق ، ومن حيث الشمول
فأصل كلمة "سياسة" جاء من السوس ، وهي تعني الرئاسة ، وعندما نقول : ساس الأمر ،
نعني : أنه قام به ، وشرط السياسة أن يقوم بالأمر "بما يصلحه " أي أمر الجماعة أو
مجموع الناس.
أما السياسة عند الإسلاميين فقد عبر عنها ابن عقيل الحنبلي حيث قال :
السياسة هي ما يكون الناس معه أقرب إلي الصلاح والفلاح وأبعد عن الفساد في أمورهم
الدنيوية ، وان لم يضعه رسول أو نزل به وحي
. وقد عرف رفاعة الطهطاوي السياسة بقوله :
"هي فن الإدارة أو تدبير المملكة ونحو ذلك " ، ثم قال والبحث في هذا العلم ودوران الألسن
فيه والتحدث به والمنادمة عليه في المجالس والمحافل والخوض فيه كل ذلك يسمى "سياسة"
. وعرفها مالك بن نبي بقوله .
. وعرفها مالك بن نبي بقوله .
"هي العمل المنظم الفعال الذي تقوم به الأمة ككل - الدولة والجماعات - المتفق مع عقيدة
جمهورها لتحقيق التجانس والتعاون بين الدولة والفرد على الصعيد الاجتماعي والثقافي
لتكون السياسة مؤثرا حقيقيا في واقع الوطن"
. ويقول الدكتور زكي نجيب محمود :
" هذه اللفظة تعني تحقيق المصالح المشتركة بين الناس في مجتمع معين ، وأن هذا الصالح
المشترك لهو حاصل جميع المنافع التي تنتفع بها مجموعة الأفراد كل في مجاله "
وعلى هذا فالسياسة الشرعية كما يقول الفقهاء هي : تدبير الشؤون العامة للدولة ا لإسلامية
بما يكفل تحقيق المصالح ودفع المضار بما لا يتعدي حدود الشريعة وأصولها الكلية لي وإن
لم يسبق إلي القول به الأئمة المجتهدون .
مفهوم السياسة عند الإخوان المسلمين :
بعد هذا العرض لمعني السياسة ننظر إلى فهم الإخوان المسلمين لها ونأخذ هذا الفهم من
عرض الشيخ حسن البنا- المرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين - لمفهوم السياسة عند
حديثة عن علاقة الإسلام بالسياسة ، وموقف المسلم منها ، يقول رحمه الله :
"السياسة هي : النظر في شئون الأمة الداخلية والخارجية ولها جانبين : الداخلي ،
وتعني السياسة - عندئذ - : (تنظيم أمر الحكومة وبيان مهماتها ، وتفصيل واجباتها
وحقوقها ، ومراقبة الحاكمين ، والإشراف عليهم ليطاعوا إذا أحسنوا ، وينقدوا إذا
أساءوا) والجانب الخارجي وتعني السياسة حينئذ (المحافظة على استقلال الأمة وحريتها
، والسير بها إلى الأهداف التي تحتل بها مكانتها بين الأم ، وتخليصها من استبداد غيرها
بها وتدخله في شئونها) 00 الخ
ويربط البنا بوضوح بين العقيدة والعمل السياسي بقوله : (إن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا
كان سياسيا : بعيد النظر في شؤون أمته ، مهتما بها ، فالمسلم مطالب بحكم إسلامه أن يعني
بكل شؤون أمته ، ويقول :
(إننا سياسيون بمعني أننا نهتم بشئون أمتنا وأننا نعمل لاستكمال الحرية . . الخ )
. فالسياسة عند الإخوان هي التفكير في شئون الأمة الداخلية والخارجية ، والاهتمام بها
والعمل على إصلاح كافة جوانبها ، وهي ترتبط بالعقيدة والأخلاق ، وتهدف إلى التغيير ،
وهذا التحديد كان يتلاءم مع الواقع المصري وخاصة في فترة الاحتلال الأجنبي ويعطي
الفرد دافعا داخليا للعمل السياسي تفكيرا واهتماما وعملا مغيرا لأوضاع الأمة ، ويجعل
السياسة مسألة تخص كل مسلم لأن أمور أمته في مقدمة أولوياته ، ولأنه مفروض أن يعمل
جاهدا لإصلاحها وعزتها وتقدمها .
والمقابلة بين تعريف ابن نبي وتعريف زكي نجيب محمود وتعريف الإخوان تظهر تقاربا
بينها جميعا ، فهي عند الأول العمل المغير للإطار الثقافي ، وعند الثاني العمل المغير
للأوضاع الاجتماعية نحو الأفضل والخير ، وعند الإخوان التفكير ، والاهتمام والعمل
المصلح لشئون ا لأمة كلها داخلها وخارجها ، والإصلاح تغيير بالضرورة وعلى الرغم من
أن مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا -رحمه الله - قد وضح ذلك كما قدمنا بأسلوب لا لبس
فيه إلا أن البعض ما زال لا يريد أن يقرأ، أو لا يريد أن يفهم ، أن الإسلام ما جاء بقرآنه
وسنته وسيرة سلفه الصالح إلا ليصلح حياة الناس وأعمالهم ويقود الأمة ويحكمها مصداقا
لقوله تعالي :
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم "
(المائدة : 49)
ولهذا فقد أكد الإمام البنا -رحمه الله - على أن مرجعية الجماعة هي الكتاب والسنة وعمل
السلف الصالح في الدعوة إلى إصلاح حال الناس
والأمة بتعاليم وأحكام وهدي الإسلام دون النظر إلى الألفاظ والمسميات وهو بهذا يبين جهل
أصحاب هذه الشبهات فيقول -رحمه الله -:
نحن والسياسة :
ويقول قوم : إن الإخوان المسلمين قوم سياسيون ودعوتهم دعوة سياسية ، ولهم من
وراء ذلك مآرب أخرى ّ!!
فما الردعلى هذا القول وللحديث بقية